رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

عيد ميلاد فيروز.. 86 عامًا ولازالت «جارة القمر» تضيء قلوبنا بحب لا نعرف سره

نشر
فيروز
فيروز

تضيء جارة القمر فيروز، اليوم الأحد، الشمعة الـ 86 في عمرها، ولازال صوتها العذب يلمس وترًا ما في قلوب عشاقها من المحيط إلى الخليج، يشعرهم بالسعادة والنشوة، وينسيهم قسوة ليالي الشتاء الباردة، ويدفعهم بدون أي سببًا واضح لحب الحياة رغم أوجاعها التي لا تنتهي. 

وحتى اليوم لا أحد يعلم السر في تركيبة ونجاح وتربع الست فيروز على قمة الطرب، هل قوة صوتها السبب؟، أم دقة اختيارها لكلمات أغانيها؟، أم سحر ألحان الأخوين رحباني؟.

الاسم نهاد رزق.. والشهرة "فيروز"

حتى نهاد رزق وديع حداد نفسها، الملقبة بـ فيروز، والتي ولدت في حارة زقاق البلاد في مدينة بيروت في 21 نوفمبر عام 1934 لعائلة سريانية كاثوليكية بسيطة الحال، والذي كان يعمل والدها وديع حداد عاملاً في مِطْبَعَة الصحيفة اللبنانيّة "لوريون"، ووالدتها ليزا البستاني اللبنانيّة المسيحيّة المارونيّة ربة منزل، ربما لا تعلم هي أيضًا حتى اليوم ماذا يفعل صوتها بقلوب العشاق عندما يسمعونه في لحظات الفراق أو مع روعة البدايات؟.

فيروز في شبابها

أم كلثوم وعبد الوهاب وليلي مراد وأسمهان شكلوا ملامح فيروز الأولى

عاشت جارة القمر فيروز مع أسرتها في منزل مكون من غرفة واحدة، وكان الجيران يتشاركون مع والدتها أدوات المطبخ، وبسبب الظروف الاجتماعية الصعبة، لم تستطع عائلتها شراء أي من أجهزة التسلية والمتمثلة في "الراديو" حينها. 

وكانت الست فيروز كما يقلبها اللبنانيون تحب الغناء منذ صغرها، فهي موهوبة بالفطرة كما يقال، فتجلس جارة القمر إلى شباك البيت لتردد أغاني أم كلثوم، ومحمد عبد الوهاب، وأسمهان، وليلى مراد مع صوت الراديو القادم من بيت الجيران.

فيروز مع عبدالوهاب

بداية الطريق كانت من "كورال" الإذاعة اللبنانية 

رغم كل الظروف الاجتماعية الصعبة التي مرت بها فيروز في طفولتها، إلا أنها كانت تعلم جيدًا أن لديها موهبة حقيقية، وأن السماء وهبتها صوتًا لن يتكرر، فبدأت تبحث فيروز عن بداية الطريق الفني، فوجدته في فرصة عملها كمغنيةَ في كورال الإذاعة اللبنانية عام 1940، عندما اكتشف صوتها الموسيقي محمد فليفل، وضمها لفريقه الذي كان ينشد الأغاني الوطنية.

فيروز في الإذاعة

حليم الرومي أول من ألف ولحن لجارة القمر.. وأطلق عليها "فيروز"

صوت فيروز وموهبتها فرضت نفسها بقوة، فأمن بها حليم الرومي، مدير الإذاعة اللبنانية، ولحن وألف لها أول أغانيها، وأطلق عليها اسم فيروز. وكان هذا بعد محاولات عديدة من الوسطاء لإقناع والدها المحافظ أن تعمل أبنته مطربة تغني أمام الناس في حفلات عامة.

فيروز مع حليم الرومي

1952 كانت محطة الانطلاق الحقيقية

لحظة الانطلاقة الحقيقية لـ جارة القمر، كان عام 1952، عندما بدأت الغناء من كلمات وألحان الأخوين عاصي ومنصور الرحباني، التي قدمت معهم مئات الأغاني الحديثة والجديدة على المجتمع اللبناني وقتها، فأحدثت ثورة في الموسيقى العربية، خاصة وأنها كانت أغانٍ قصيرة في وقت كانت الأغاني تتجاوز فيه الساعتين. 

زادت شهرة فيروز، بعد مشاركتها في بطولة عدد من الأفلام السينمائية الغنائية من أشهرها "بنت الحارس"، و"بياع الخواتم"، بالإضافة إلى المسرحيات الغنائية "كميس الريم"، و"الشخص"، و"بترا".

أعجبت التلميذة الموهوبة بالأستاذ، فتزوجت فيروز من الموسيقار عاصي الرحباني عام 1955، وأنجبت منه أربعة أطفال هم: "زياد، وهالي، وليال، وريما".

فيروز بالجيتار

تعلمت أصول الإنشاد وتجويد القرآن.. وقدمت الترانيم في أعياد الميلاد

الست فيروز من أمهر مطربات الوطن العربي اللاتي استطعن ضبط مخارج الألفاظ، وكان هذا بفضل الأخوين محمد وأحمد فليفل، اللذان علمها أصول الإنشاد، والتجويد القرآنى وهي لا تزال طالبة. 

كما بدأت رحلتها الكنسية وصلواتها بعد إتقانها التجويد في الخمسينيات، حيث رنمت بمناسبة عيد الميلاد "تلج تلج" و"المجد لله في الأعالي"، ومن ثم كان أول ظهور لها في عيد القيامة في كنيسة مار إلياس في أنطلياس. ولم تقتصر صلواتها فقط على أعياد القيامة، ولكن رافقتها في العديد من مسرحياتها.

فيروز في الكنيسة

غنت للقدس.. وحرصت أن تظل بعيدة عن صراعات لبنان

حرصت جارة القمر أن تظل طوال حياتها بعيدة بفنها وصوتها عن الصراعات السياسية، وأن لا تستقطب مع فصيل أو حزب ضد آخر،  فحقيبة فيروز مليئة بالأغاني والقصائد والأفلام والمسرحيات و"الاسكتشات"، التي نأت بها عن الشعارات السياسية والطائفية، حيث غنت للحب والأطفال والوطن والأم.

وخلال الحرب اللبنانية 1975- 1990 رفضت أن تُجر إلى أي خصومات سياسية أو طائفية، وشكلت أغانيها جسراً بين اللبنانيين خلال الحرب الأهلية.

 كما غنت للقدس"لأجلك يا مدينة الصلاة أصلي"، وغنت أيضا ً للعديد من المدن العربية التي لبعضها قدسية في القلوب مثل"مكة"، أو لها ذكريات في النفوس مثل مدن "يافا" و"الإسكندرية" و"عمّان"، و"الأردن"، و"جبل علي".

فيروز مع الأخوين رحباني

"جارة القمر" ليس لقب فيروز الوحيد

غنت فيروز لكثير من الشعراء والملحنين؛ منهم ميخائيل نعيمة، وسعيد عقل، وشدت أمام العديد من الملوك والرؤساء، وفي أغلب المهرجانات الكبرى في العالم العربي.

لقبت فيروز بالعديد من الألقاب منها "سفيرتنا إلى النجوم" و"جارة القمر"، وظلت الست فيروز تصنع أغلب أغانيها مع زوجها عاصي الرحباني، حتى وفاته عام 1986، وبعده خاضت تجارِب عدّة مع مجموعة ملحنين ومؤلفين، لكنها عملت بشكل رئيسي مع ابنها زياد رحباني الذي قدم لها مجموعة كبيرة من الأغاني.

فيروز

التسعينيات الأكثر تألقًا وإنتاجًا في حياة فيروز

تعتبر فترة التسعينات من القرن الماضي من أكثر فترات الإنتاج الغزير لجارة القمر، حيث أصدرت العديد من الألبومات، وحظيت بنجاح منقطع النظير لما قدمته من جديد على صعيد التوزيع الموسيقي، والتنوع في الأغاني بين القديمة والحديثة، على سبيل المثال "جارة الوادي" و"باكتب اسمك يا حبيبي" و"سهر الليالي" و"أنا لحبيبي" و"نسم علينا الهوى" و"القدس" و"حبيتك تنسيت النوم" و"سلملي عليه" و"سألوني الناس" و"سألتك حبيبي" و"أعطني الناي وغني" و"كيفك أنت."

ظلت حياة فيروز تتسم بالسلام والهدوء، والبعد عن أضواء الإعلام، التي خلقت مسافة آمنة بينها وبينه، ورغم ذلك عاشت النجمة الكبيرة أزمة حقيقية نهاية عام 2010 عندما تفجرت خلافات مالية وقضائية بين ورثة زوجها عاصي الرحباني وورثة شقيقه منصور الرحباني على الحقوق التجارية للأعمال التي قدماها معا، مما دعا عددا كبيرا من الفنانين والإعلاميين العرب إلى تنظيم وقفة احتجاجية أمام وزارة العدل اللبنانية للمطالبة بوقف هذا الصراع حفاظا على اسم فيروز.

فيروز في التسعينيات

1500 أغنية و80 ألبومًا قدمتهم فيروز على مر تاريخها

تجاوز عدد أغاني فيروز 1500 أغنية، وأصدرت 80 ألبومًا، ولعب دور البطولة في 20 مسرحية غنائية، كما أحيت حفلات كبرى لا تنسي في كبرى مدن العالم، فغنت في القاهرة، والرباط، وتونس، وعمان، ودبي، ونيويورك، ولندن، وباريس، وأثينا.

في بداية الألفية الجديدة أعادت ابتكار نفسها بإصدار ألبوم "إيه في أمل" بالتعاون مع نجلها الملحن زياد الرحباني، وفي عام 2017 كان ألبوم "ببالي" آخر إنجاز في سلسلة أعمالها الفنية.

فيروز تغني

زعماء العالم يسعون إلى لقاءها.. وأخرهم الرئيس الفرنسي

بعد بلوغها 86 عاماً، لا تزال فيروز أسطورة وأيقونة فريدة يسعى زعماء العالم لقاءها، ومنحت عشرات الجوائز والأوسمة، شهرتها ومكانتها الرمزية عند العرب عامة واللبنانيون خاصة جعلت الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون يحرص على لقائها في منزلها بضاحية الرابية ببيروت أثناء زيارته إلى لبنان عقب انفجار مرفئ بيروت في أغسطس 2020. وقد منحها الرئيس الفرنسي وسام "جوقة الشرف الفرنسي" وهو أعلى تكريم فرنسي، وأهدته هي بدورها لوحة فنية.

فيروز مع ماكرون
عاجل