رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

بطولات الشرطة في حرب أكتوبر.. حماية وقتال وإيواء ومعدل الجريمة «صفر»

نشر
مستقبل وطن نيوز

في مايو 1971، كلف الرئيس الراحل محمد أنور السادات، ممدوح سالم، مسئولية وزارة الداخلية، أثناء تصفية مراكز القوى التي كانت تستهدف الانقلاب وقتها على "السادات"، ووضع خطة تأمين للجبهة الداخلية لخوض حرب العبور، اعتبارا من مايو 1973م.

بدأ سالم، التدريبات القتالية لسرايا الأمن المركزي، وشملت تدريب عمليات الكمين والإغارة وتمييز طائرات العدو، ومقاومة الهابطين بالمظلات، والدوريات الجبلية والصحراوية، وشارك في عملية التدريب بقطاع ناصر للأمن المركزي ضباط التدريب بمركز تدريب الضباط النقباء (أحمد رفعت ــ وأحمد عزب ــ محسن العبودي -أحمد جاد).

قبل الحرب بـ4 أيام عقد ممدوح سالم اجتماعا بجميع المسئولين في وزارة الداخلية؛ لوضع خطط ثابتة لتأمين البلاد إذا اندلعت الحرب، وكان ممدوح سالم في مكتبه بلاظوغلي، بمبنى وزارة الداخلية على اتصال دائم بالرئيس السادات، ولم يغادر الوزير مبنى الوزارة إلا للاجتماعات المهمة مع قيادات الدولة، وعلى الفور اتخذت جميع الأجهزة الأمنية دورها بعد أن تم رفع درجة الاستعداد من أجل تأمين المنشآت المهمة والمرافق الحيوية في الدولة؛ لترسم ملحمة نصر أكتوبر 1973، لوحة فنية تلاحمت فيها دماء كل مؤسسات، وطوائف الشعب المصري، وكان لكل هيئة دور أساسي، اضطلعت على تنفيذه بدقة وحرفية، لأن الظرف كان يستلزم استنهاض كل الجهود للحل والمواجهة، ومن ذلك ما قامت به وزارة الداخلية، ومؤسسة الشرطة التي تمحور دورها في عدة خطوات.

أرشيف وزارة الداخلية، سجل دور رجالها الذي قدموه في صناعة النصر، منها قيام أجهزة الشرطة بمعاونة القوات المسلحة في إعلان حالة التعبئة العامة، التي كانت تتولاها أقسام الشرطة وقتها، وتم هذا الإجراء بقدر عال من حرفية الأداء وسرعة الاستدعاء والدفع بهم إلى مواقعهم بالقوات المسلحة.

"لابد لعناصر الشرطة من الالتحام في المعركة لإتمام النصر، ومشاركة المقاومة الشعبية التي تؤازر قواتنا المسلحة".. هكذا كانت الخطة الأمنية من وزير الداخلية ممدوح سالم، لمديري الأمن بالمحافظات التي تتعرض للمعارك، التي وضعت وقتها وأعطت اهتمامًا بالأجهزة الأمنية في مدن القناة (السويس، والإسماعيلية، وبور سعيد) المجاورة لمنطقة سيناء، التي كان معظمها مهجرا في ذلك الوقت.

كانت بداية الخطة في مواجهة حربها ضد الشائعات ومطاردة مروجيها لضمان تحقيق حالة من الاستقرار ليتمكن الجيش المصري من مواجهة العدو الصهيوني على الجبهة، ونجحت الشرطة في وقت الأزمة التي سبقت حرب أكتوبر 73، حيث حذرت الشرطة المواطنين من استيراد الآلات والأجهزة المشتبه في أن يزرع بها العدو الصهيوني أجهزة تجسس، حيث تم تحذير المواطنين من التعامل بأقلام الحبر والولاعات وبعض ألعاب الأطفال وماكينات الحلاقة، وتابعت أجهزة الشرطة في محافظات مصر التزام المواطنين بتحذيراتها.

يوم ١٢ أكتوبر 1973، أصدرت وزارة الداخلية بيانا، وقت المعركة، حذرت من خلاله أفراد الشعب المصري من استخدام بعض الأشياء وقالت فيه:"أخي المواطن، إن العدو الغادر الذي نحاربه لا يملك قيم أو مثل، وأن أساليبه التي يستخدمها كثيرة مثل إلقاء القنابل الزمنية التي تنفجر بعد فترة من الوقت لزيادة الخسائر، كما أنه يقوم أحيانًا بإلقاء الأجسام المألوفة التى تنفجر مجرد أن يلمسها المواطن وقت التقاطها، مثل أجهزة الراديو والترانزستور، وعلب الأكل المحفوظة، وأقلام الحبر، والولاعات، وماكينات الحلاقة، ولعب الأطفال وبعض مستحضرات التجميل".

وحذرت أيضا وزارة الداخلية في بيانها، من التعامل مع الأجسام الغريبة التي تثير فضول المواطنين، التي تنفجر بمجرد الإمساك بها، كما أكدت الداخلية على ضرورة تجنب أفراد الشعب الأماكن التي قد تتعرض لقصف جوي من قبل العدو، وأنه في حالة العثور على أي أجسام مألوفة أو غريبة يعثر عليها المواطن يجب عليه إخطار جهاز الشرطة على الفور حتى تقوم الأجهزة الأمنية باتخاذ ما يلزم من إجراءات لوقاية المواطنين.

وشمل بيان الداخلية تعليمات مهمة بخصوص صفارات الإنذار، وأن الصفارة المتقطعة تفيد بأن هناك غارة جوية، وأن أصوات المدافع والانفجارات، تعد أيضًا بمثابة إنذار بغارة جوية، وأن كل فرد يجب عليه في مثل هذه الحالات اتباع تعليمات الدفاع المدني وإرشاداته، مثل عدم الوقوف في الشرفة أو الشارع، حتى تقى نفسك من الإصابة عند تطاير شظايا القنابل التي تحدث خلاله.

انتشرت قوات الأمن وقت اندلاع الحرب، لتنفيذ جميع الخطط الموضوعة لكل محافظة، التي كانت تشارك فيها المقاومة الشعبية، وعند حدوث ثغرة الاختراق بالدفرسوار في الضفة الغربية للقناة يومي ١٥ و١٦ أكتوبر، أصدر الراحل أنور السادات قررًا يوم ١٧ أكتوبر بتحرك قوات الأمن المركزى للإسماعيلية لصد هجوم العدوان الغاشم.

وعلى الفور، تم تشكيل مجموعة كبيرة من الأمن المركزي، وتحركت على الفور، وتم تزويد القوات بعدد من البنادق الآلية والهاونات ٦٠ مم والرشاشات الخفيفة والبنادق ذات الوصلات المضادة للدبابات، والقنابل اليدوية وزجاجات المولوتوف والقنابل المضادة للدبابات، كما قامت مجموعة من ضباط القوات المسلحة بالتنسيق مع الجيش الثانى الميداني، بتدريب ضباط الأمن المركزى الموجودين مع تشكيلاتهم فى بورسعيد والإسماعيلية على كيفية التعامل مع دبابات العدو بالقنابل، ونظرًا لخطورة المناطق التي تقرر أن تتمركز فيها هذه القوات بالنسبة لقربها الشديد من ساحات المعارك غرب القناة، فقد تم تقوية تسليحها لاحتمال تعاملها مع قوات العدو ودباباته.

وأصدر اللواء محيي خفاجي، مدير الأمن، مدير الأمن تعليماته بالتأهب والاستعداد إلى جميع أقسام الشرطة ووحداتها، وأصبحت غرفة عمليات الدفاع المدنى بميدان الأربعين التى كان يتولى إدارتها المقدم فتحى غنيم مقرا لقيادة الدفاع الشعبى، وتأهبت أجهزة الإطفاء والإنقاذ لأداء واجباتها خلال الغارات الجوية وعندما اكتشف مدير الأمن أن المتطوعين للدفاع عن المدينة فى حاجة إلى السلاح أمر بفتح جميع مخازن الشرطة وأن تسلم الأسلحة والذخائر للقادرين على حملها واستخدامها.

يوم 23 أكتوبر نجح العدو في قطع الاتصالات السلكية في القاهرة، فأصبحت الشبكة اللاسلكية الخاصة بشرطة النجدة هي حلقة الاتصال الوحيدة بين السويس والقاهرة، وكان الرائد رفعت شتا يتولى هذه الوحدة اللاسلكية ويعاونه الملازم أول عبد الرحمن غنيمة وتحت قيادته 18 ضابط صف وجنديا.

في ذلك اليوم تلقى المحافظ ومدير الأمن، إنذارا من ضابط إسرائيلي تحدث إليهما عن طريق الهاتف من شركة قناة السويس لتصنيع البترول، وكان الإنذار يطالب المحافظ بتسليم المدينة في خلال نصف ساعة وأن عليه الحضور هو ومدير الأمن والقائد العسكري للسويس في سيارة عليها علم أبيض وبصحبتهم جميع المدنيين في المدينة إلى الاستاد الرياضي، وإذا لم يتم ذلك في خلال نصف ساعة فسوف تضرب المدينة بالطيران ويتعرض كل سكانها للإبادة.

ما إن سمع المحافظ الإنذار الإسرائيلي، هاتف الضابط الشرطي رفعت شتا، قائد الوحدات اللاسلكية، وطلب منه إبلاغ المسئولين في القاهرة، وقام وقتها الرائد شتا في الحال بإبلاغ الرسالة إلى العميد محمد النبوي إسماعيل مدير مكتب ممدوح سالم، رئيس الوزراء، ووزير الداخلية.

"لا تسليم .. بمعرفة المحافظ يتم الدفاع عن السويس وعلى المحافظ ومدير الأمن الانضمام إلى المقاومة الشعبية".. بعد مرور نحو 20 دقيقة تلقى الرائد شتا ردا من القاهرة هذه الرسالة، وأسندت إلى جهاز الأمن المركزي مسئولية كبرى، خلال حرب أكتوبر المجيدة، وهى حماية مؤخرة القوات المسلحة وتأمين خطوطها الخلفية ضد أى عمليات للتسلل أو التخريب من جانب العدو وقد قامت قوات الأمن المركزى بأداء المهام الجسيمة التي أوكلت اليها بكفاءة بالغة ووطنية صادقة وقد تم تكليف الأمن المركزي.


قاد العقيد لطفي عبدالفتاح عطية، مجموعة كبيرة مشكلة من الأمن المركزي، وكان دورهم هو تأمين منطقتي الإسماعيلية وبورسعيد، وكان إجمالى القوة 34 ضابطا و1196 من ضباط الصف والجنود، وصدرت الأوامر لقوات الأمن المركزي بأعمال حراسة وتأمين طريق الإسماعيلية - القاهرة الزراعي الممتد شمال ترعة وتأمين المنشآت والأهداف الحيوية في مدينتي الإسماعيلية والقنطرة غرب ومنطقة أبوخليفة، ومنطقتي الكاب والتينة ومدينة بورسعيد، وكذلك تأمين الطرق الفرعية المؤدية إلى طريق القاهرة الإسماعيلية الزراعي والقرى الواقعة في الأراضي الزراعية.

وسجل أرشيف وزارة الداخلية، دور رجالها الذي قدموه في صناعة النصر، منها قيام أجهزة الشرطة بمعاونة القوات المسلحة في إعلان حالة التعبئة العامة، التي كانت تتولاها أقسام الشرطة وقتها وتم هذا الإجراء بقدر عال من حرفية الأداء وسرعة الاستدعاء والدفع بهم إلى مواقعهم بالقوات المسلحة، دور أجهزة الشرطة الذي أسهم في انضمام أكبر عدد من الأفراد والقوات لخطوط القتال في زمن قياسي، ساعد القوات المسلحة علي تنظيم صفوفها وحشد طاقتها لمواجهة العدو‏، واحتواء العديد من مظاهر التمرد التي كانت تطفو علي السطح السياسي للتأثير في الرأي العام، والتي كان من الممكن أن تؤدي إلي تشتيت التكاتف الشعبي؛ خاصة أن الاستعداد لدخول الحرب كان يتم في سرية تامة دون الإعلان عنه‏.‏

انحسار الجريمة وقت قيام الحرب‏ حتى وصلت إلى “صفر”، ونجاح الدور الأمني في تأمين الجبهة الداخلية وتماسكها، من خلال عمليات تأمين المنافذ البرية والبحرية والجوية، كي لا تتخذ كوسيلة لتسرب أي معلومات تغير من خط سير المعركة، وتأمين المنشآت المهمة والحيوية من محطات كهرباء ومياه ومبنى الإذاعة والتليفزيون والمستشفيات ومنشآت اقتصادية وتأمين الطرق والكباري والجسور وتأمين الاتصالات ووسائل النقل والمواصلات والمجري الملاحي، وكل المنشآت المرتبطة بالجماهير وتأمين الممتلكات الخاصة من مساكن ومتاجر وسيارات ومخازن.

ودفعت قوات الأمن المركزي بمدينة الإسماعيلية وقتها بألف مجند وضابط من قواتها، للتصدي لهجمات العدو وحالت دون دخولهم المدينة، وأسهمت القوات في إنقاذ المواطنين المصابين وتدبير أماكن لإيواء الأسر التي تهدمت مساكنهم وإطفاء الحرائق، بالإضافة إلى الدور المعنوي الذي كان يقوده ضباط الشرطة في مدن القناة لتقوية عزم المواطنين وبث الروح المعنوية العالية في نفوسهم‏، كما قام رجال المباحث بالعاصمة بالتصدي لمشكلة احتكار بعض السلع ومنها الصابون، كأحد السلع الأساسية التي يحتاج إليها المواطنون‏، وكانت جميع المصالح الشرطية تعمل بانتظام دون توقف العمل، مثل مكاتب السجل المدني وإدارات المرور.

واحتفلت مصر الأربعاء السادس من أكتوبر، بالذكرى الـ48 لانتصار حرب استعادة الكرامة‏ وصناعة التاريخ الحديث، ويخلد المصريون بطولات رجال الجيش والشرطة الذين خلدوا أسماءهم بحروف من نور في سجلات التاريخ العسكري، فهم أبطال ضحوا بأرواحهم من أجل رفع راية مصر عالية.

عاجل