رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

محمد أبو زيد: الشعر هو الأقرب إلى الذائقة العربية وأكثر التحاما بالذات

نشر
مستقبل وطن نيوز

قال الشاعر محمد أبو زيد، إن الشعر هو الأقرب إلى الذائقة العربية، وإلى المكون الثقافي العربي، معتبرا أن الشعر أكثر التحاماً بالذات وبالمشاعر، وهو أصدق أنباء من أي شيء آخر، لذا يستحق أن يظل ديوان العرب.

وأضاف أبو زيد –في حديث لوكالة أنباء الشرق الأوسط اليوم الأربعاء– أن "الشعر هو سيرتنا الشخصية والعامة التي لا تكذب أبدا، يمكنك أن تعرف من معلقة أمرؤ القيس همه الشخصي، والهم العام الذي كان يعاني منه، تستطيع أن تعرف من "البكاء بين يدري زرقاء اليمامة"، الهم الشخصي لأمل دنقل، والهم العام الذي كان يعاني منه الوطن العربي كله.

وأوضح أن مفهوم الشعر يتطور مع الوقت، وهذا الطبيعي لأن الشعر جزء من الحياة ويعبر عنها، وبالتالي من الضروري أن يتطور كما تتطور. بدأ الشعر سماعياً، ثم صار مكتوباً، ثم جُمِعَت قصائد الشاعر في كتاب واحد، ثم قسمت إلى عدة دواوين، يعبر كل منها عن مرحلة زمنية، أو حالة وجدانية.
وأضاف أن بعض دور النشر تفضل الآن الكتاب الشعري، الذي يدور في فلك واحد، ولا تقبل القصائد المتفرقة المجموعة في ديوان واحد. لكن أعتقد أن هذا كله اهتمام بالشكل. فالأهم في النهاية هو الجوهر، ماذا سنقرأ في الكتاب الذي في يدنا، سواء كان مجموعة شعرية أو كتابا شعريا.

وحول رؤيته للأساليب النثرية والشعرية العربية قديما وحديثا، قال الشاعر محمد أبو زيد: "أؤمن بالتجاور الفني، بأن يستفيد كل فرع أدبي من الآخر، أؤمن بعدم نفي الآخر فنياً. قصيدة النثر هي ابنة للقصيدة التفعيلية التي هي ابنة للقصيدة العمودية".

وتابع "بإمكان كل فرع أن يستفيد من الآخر، بإمكان الشعر أن يستفيد من الرواية ومن المسرح ومن السينما، بإمكان القصة القصيرة أن تستفيد من لغة الشعر ومن طريقة كتابة السيناريو، لا يوجد فن يحل بدلاً من الآخر، بل يأتي ليكمله، ويستفيد منه، ويعطيه، كما أن علينا أن ننظر إلى كل أسلوب في إطار زمنه، وألا نحاسبه بمقاييس زمننا، يمكننا أن نطوره، لكن يجب أن نحكم عليه في سياقه هو لا في سياقنا نحن. أعتقد لو قبلنا بالتجاور والاستفادة المتبادلة ثقافياً، فإن هذا سيكون فارقاً في تطور الأدب العربي بأكمله".

وحول ما يدفعه كشاعر للكتابة، قال الشاعر محمد أبو زيد إن دوافع الكتابة تتغير مع مضي الوقت، ومع مضي العمر تتغير نظرة الكاتب لموضوعات الكاتب. أظن أن إجابة هذا السؤال هي الإجابة ذاتها على سؤال "لماذا أكتب؟". وقلت من قبل إننا ونحن صغار نكتب لأننا نريد أن نغير العالم، لكن عندما نكبر في السن، نكتب لأننا نريد أن نغير أنفسنا فقط لذا فالكتابة عندي الآن مرتبطة بما أظن أنه يغيرني، أو يغير شيئاً في، وهذا ليس بالضرورة أن يكون حدثاً كبيراً، بل ربما يكون شيئاً عادياً في الحياة اليومية.

وردا على سؤال هل يستطيع المبدع الوقوف بعيدا عن الشخصيات المختلقة في أعماله دون أن تتأثر بشخصيته الحقيقية، قال "أبو زيد" هذا ممكن بالطبع، كانت فكرة روايتي الأخيرة "عنكبوت في القلب"، هي المزج بين الخيال والواقع، أن يشعر القارئ أن هذا الواقع محض خيال وأن يشعر أن هذا الخيال واقعي، لهذا ظهرت شخصيا تاريخية مثل "تأبط شراً" أو خيالية مثل "علاء الدين"، كما تحولت أماكن عادية مثل شارع شامبليون بوسط البلد أو مقهى سوق الحميدية إلى أماكن خيالية.

ونوه بأن الخيال هو أساس الكتابة، حتى لو كان يمتح من الواقع، لأنه إذا كان مجرد وصف للواقع فما الفارق بينه وبين تقرير صحفي. ميزة الأدب الحقيقي أنه يأخذك من يدك ويسحبك إلى عالم متخيل، عالم بديل عن عالمك الحقيقي، وإذا كان مكتوباً بصدق سيقنعك أنه عالمك الحقيقي.

وعن ضمير المتكلم "أنا" في الأعمال الأدبية الشعرية والنثرية، أوضح الشاعر محمد أبو زيد أن هذا من ضروريات الشعر في بعض الأحيان. بغض النظر عن ذكر "الضمير" من عدمه، لكن لأن الشعر ينطلق عن هموم الذات، فمن الضروري أن يحضر المتكلم/ الشاعر، حتى لو كان ذلك على لسان ضمير الغائب، لكن أظن أن المهم هنا هو أن يتماس هذا الضمير مع ضمائر أخرى، بمعنى أن يشعر القارئ الدنماركي الذي يقرأ نصاً مترجماً بضمير المتكلم، أن هذا النص يعبر عنه، كأنه ينطق بلسانه، وهذا دور أساسي من أدوار الشعر، ألا يكون مغلقاً على ذاته بل ناطقاً بالهم الخاص والعام في الوقت نفسه ربما لا يكون هذا ضروريا في الأعمال النثرية (الرواية) لكن في الرواية، أعتقد أنه مهم كثيراً.
وحول التحديات التي فرضها الكتاب الرقمي، قال أبو زيد:" أعتقد أن هذا أفاد الإبداع بشكل كبير. وفي ظني أن أي نافذة للنشر هي شيء جيد. دع كل الناس يكتبون، وفي النهاية فإن الزمن مصفاة كبيرة ستطرد الغث وتُبقي السمين، عندما تعود إلى الصحف والمجلات في الخمسينات والستينات ستجد عشرات الأسماء من الشعراء والروائيين، لم يبق منهم إلا عدد محدود. وهذه طبيعة الأشياء".

وتابع "وفي ظني أن الكتاب الرقمي ساهم في حل مشكلة النشر من جهة، وارتفاع الأسعار من جهة أخرى، كما أن ميزته الأساسية أنه مواكب للعصر، فالأجيال الجديدة معظمها يقرأ مباشرة على الكمبيوتر أو الهاتف، سيحدث فرز في النهاية، وسيبقى الجيد فحسب، لكن التحدي الأساسي على "الكتابة" عموماً هي خلق نص يلائم الكتاب الرقمي، بحيث يستفيد النص من التقنيات المتاحة إلكترونياً من صوت وفيديو وصورة وحركة. وأعتقد أن هذا سيحدث مع الوقت، وسيغير كثيراً في شكل الكتاب التقليدي".

وفيما يتعلق بالجوائز الأدبية، قال الشاعر محمد أبو زيد، الفائز بجائزة الدولة التشجيعية في الآداب فرع «جائزة ديوان شعر فصيح»، إن الجوائز الأدبية لها دور مهم في أنها تسلط الضوء على العمل الأدبي مما يجعله مقروءاً، كما أنها تشبه دفعة تشجيع للكاتب، لكنها وحدها لا تكفي، فمع مرور الوقت سينتهي مفعولها، ولا يبقى أمام الكاتب سوى أن يواصل مشروعه.

وأردف "ورغم ذلك فنحن في حاجة إلى جوائز أخرى كثيرة لتشجيع الكتاب والشعراء، خصوصاً أنها في الشعر قليلة جداً، وهذا ليس دور الدولة فقط، بل دور المؤسسات الثقافية الخاصة ودور النشر، التي أدعوها لتنظيم مسابقات أدبية لتشجيع الأجيال الجديدة من الأدباء للكتابة والنشر".

وأوضح أن التكريم والتشجيع مهم في حياة أي إنسان، حتى في مجالات العمل العادية وليس في الإبداع فقط، فبه يشعر أنه على الطريق الصحيح. هناك عشرات الكتاب رحلوا دون أن يسمعوا كلمة شكر على ما قدموه، وهناك عشرات الأدباء الكبار الذين ينتظرون من يكرم أعمالهم، وهذا قد يكون دافعاً لهم للاستمرار وتقديم الأفضل، والمهم ألا يشعروا أنهم قدموا عمرهم هباء.

وتمنى أن تلتفت هيئة قصور الثقافة، ومؤتمر أدباء الأقاليم إلى عشرات الأدباء في الأقاليم الذين قدموا عمرهم للأدب لكنهم لم يحصلوا حتى على كلمة شكر في النهاية.

عاجل