رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

في ذكرى ميلاده

البابا شنودة.. رجل أرضعته سيدة مسلمة ليكتسب مناعة ضد الفتنة الطائفية

نشر
مستقبل وطن نيوز

«مصر وطن يعيش فينا وليس وطنا نعيش فيه».. بـ8 كلمات وحرف عطف أصبح البابا شنودة بابا للمصريين، بينما مواقفه الثابتة من القضية الفلسطينية جعلته بابا للعرب جميعا، ليحظى بمحبة مئات الملايين من المحيط إلى الخليج.

إنه الرجل الذي آمن بأن الحب أقوى من القانون، واستخدم سيف الألفة في بناء وحدة وطنية متماسكة، صار أحد أهم رموزها، باعتباره المدافع الشرس عن تماسك نسيج الأمة، والرافض دائما للتفرقة بين أبناء البلد الواحد.

هناك في صعيد مصر بمحافظة أسيوط، وداخل قرية صغيرة اسمها «سلام» ولد « نظير جيد روفائيل» سنة 1923، وبعد ثلاثة أيام توفيت أمه، لتتولى سيدة «مسلمة» من أهل القرية إرضاعه، ومن هذا اللبن يكتسب المناعة ضد الفتنة الطائفية، ويتحول إلى بطل مصري قادر دائما على ردع كل من يحاول المساس بلحمة الشعب.

لا يمكن حصر البابا شنودة الثالث في شخصية واحدة، إنه بمثابة بطل أسطوري يستطيع تجسيد العديد من الأدوار والمهمات في وقت واحد.. طاقة جبارة لا يمتلكها إلا رجل قادر على صناعة التاريخ في زمن الأحداث الفاصلة.

برتبة ملازم خدم «نظير» في القوات المسلحة المصرية كضابط احتياط، كما عمل صحفيا، وكان يكتب الشعر إضافة إلى تمتعه بثقافة إسلامية واسعة، شكلت روحه المصرية الصلبة في مواجهة أخطار التفتيت.

عشق البابا «صاحبة الجلالة» وشغل منصب رئيس تحرير مجلة «مدارس الأحد» عام 1954، وكتب أكثر من 150 مقالاً، إضافة إلى 25 قصيدة شعرية، حتى إن أحدهم قال إن اتجاهه للرهبنة منعه من أن يكون أحد كبار الصحفيين في العالم العربي، في إشارة إلى ذهابه يوم السبت 18 يوليو 1954، إلى دير السيدة العذراء السريان، لتكريسه راهبا بيد الأنبا «تيوفيلى» أسقف الدير باسم الراهب “أنطونيوس السريانى”، وعاش في عزله من عام 1956 إلى عام 1962، في مغارة تبعد 7 أميال عن مبنى الدير ليتفرغ للصلاة والتأمل فقط.

1962 سامه البابا الراحل «كيرلس السادس» أسقفًا للتعليم والمعاهد الدينية، باسم «الأنبا شنودة» وكان وقتها أول أسقف للتعليم المسيحي وعميد الكلية الإكليريكية، وعقد مؤتمرا صحفيا بالمقر البابوي 1963، أوضح فيه رأى الكنيسة القبطية في وثيقة تبرئة اليهود من جريمة تعذيب السيد المسيح، التي حاول أحد الكرادلة الألمان إصدارها وعرضها على مجمع الفاتيكان وسجل للأقباط موقفا وطنيا مشهودا له، وعاد إلى «الصحافة» مرة أخرى عام 1965، باعتباره مسئولا بالكلية الإكليريكية، وهو يصدر مجلة «الكرازة» ويتولى رئاسة تحريرها.

بعدها بعام منحته نقابة الصحفيين عضويتها رقم «156» قبل تنصيبه بطريرك للكنيسة الأرثوذكسية بـ5 سنوات، باعتباره رئيسا لتحرير مجلتي «مدارس الأحد» و«الكرازة»، ودعي لندوة في النقابة في العام نفسه بعنوان «إسرائيل في المسيحية» وتحولت المحاضرة إلى مؤتمر شعبي حضره أكثر من 12 ألف شخص، أشهر من خلاله موقفه الحاسم من قضية التطبيع.

في قضية الوحدة الوطنية، أكد البابا دائما على أن «البعد جفوة » قائلا: كلما التقينا زدنا تماسكا وترابطا، وكلما فهمنا بعضنا البعض بأسلوب أوسع كلما كان لهذا الأمر تأثيره علي أولادنا من المسيحيين والمسلمين، داعيا الاشتراك مع علماء المسلمين في وضع كتب توضح النقاط المشتركة مثل مقاومة الإلحاد، صفات الله الحسنى، التوحيد، الفضيلة والأخلاقيات المشتركة، قائلا:"عندما يرى عامة الشعب قادة الدين المسلمين والمسيحيين يشتركون معا في تأليف كتاب واحد تقوي روابط المحبة فيما بينهم ويزول الإحساس بالغربة".

قال في أحد محاضراته:«إن الوحدة الوطنية في مصر حقيقة اجتماعية وتاريخية ثابتة ومستقرة وليس المساس بها إلا نوعا من المغامرة تعود بالخسارة المؤكدة على أصحابها.. إن مصر لا خوف عليها أبدا، إنها “المحروسة ” حقا توحد شمالها وجنوبها منذ آلاف السنين وتناوب عليها الغزاة ولم تتعرض وحدتها للخطر، وحدة مصر والمصريين من أسرار هذا البلد الخالد، فلا خوف على مصر ولا تشابه بينها وبين غيرها، فمصر تحمي وحدتها لأنها وحدة حصينة مهما كانت مصائب الفقر والجهل والتخلف».

وشارك البابا في جميع المؤتمرات الإسلامية التي تنظمها وزارة الأوقاف، وفي المؤتمر الإسلامي الرابع عشر الذي عقد في 2002 تعجب قداسته ممن يحاولون الربط بين الإرهاب والإسلام، مؤكدا أن الإسلام دين الرحمة والمحبة والسلام، لافتا أن أخطاء فرد أو أفراد أو جماعات لا تنسب إلى الدين ذاته إنما حقيقة الدين تعرف من علماء الإسلام والفقهاء.

دعا لإلقاء محاضرة في أبو ظبي عام 2007، بعنوان «السلام والتآخي» قال فيها:"السلام هو أنشودة جميلة تتردد أنغامها في قلوب الناس، وفي أفكارهم، ويشتاقون إليها، وبدون السلام لا يسود مجتمع، ولا يهدأ أفرد، وبالسلام يعيش الناس في هدوء وينتجون، وبغير السلام يصبح العالم شبه غابة، والسلام في الإسلام هو اسم من أسماء الله تعالى، وفي المسيحية نقول عن الله أنه إله السلام وملك السلام ومصدر السلام للجميع، والسلام يا أخوتي على أنواع ثلاثة: سلام للإنسان مع الله أساسه حفظ وصايا الله تبارك وتعالى، وسلام مع الناس في حياة الصلح الدائم والمحبة والتعاون، وسلام دائم لا يستغني عنه أي فرد، وبدون السلام القلبي يقع الإنسان في الخوف والاضطراب والتردد والهموم النفسية المتعبة.

وفي منتصف ثمانينات القرن الماضي كان حريصا على إقامة مأدبة إفطار الوحدة الوطنية خلال شهر رمضان من كل عام، ويدعو فيه جميع رموز الدولة ورجال الفكر والثقافة والإعلام .

وفي أكتوبر 2010 أصدر قداسة البابا الأنبا شنودة الثالث، وفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب بيانا مشتركا أكدا فيه أن الدين والعقيدة خط أحمر لا يجوز لأحد أن يتجاوزه، ورفضهما القاطع لأية تصريحات تمس عقائد المصريين جميعا، وأننا جميعا مسلمين ومسيحين نعيش تحت علم واحد لوطن واحد يحكمه مبدأ المواطنة.

وفي يوم السبت 17 مارس 2012، يودع البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية المصرييين عن عمر ناهز 89 في مشهد مهيب بكت فيه الجماهير رجلا أخلص للوطن طيلة حياته.

من أشهر مقولاته

– إن اللَّـه يعطيك ما ينفعك، وليس ما تطلبه، إلاَّ إذا كان ما تطلبه هو النافع لك، وذلك لأنك كثير ما تطلب ما لا ينفـك.

– ليكن الخير طبعا فيك؛ وليكن شيئا تلقائيا لا يحتاج إلى جهـد، مثلـه مثـل التنفـس عنـدك.

– إذا كان القلب غير كامل فى محبته لله فإن إرادته تكون متزعزعة.

– إن كنت تشكو من فشل يتعبك فى حياتك ارجع سريعا إلى نفسك وفتش داخلك جيدا وانزع الخبيث واصطلح مع الله وهكذا تعود لك البركة.

– الإنسان العادل صاحب العقل الحر يقول عن الحق إنه حق ولو كان صادرا من عدوه، ويقول عن الباطل إنه باطل ولو كان صادراً من أبيه أو أخيه.

-ليس الطموح خطية بل هو طاقة مقدسة به يتجه الإنسان إلى الكمال كصورة الله.

– أريد أن أعطى قلبى لله، أقول لك: أعطه فكرك أيضا، حسبما يكون قلبك يكون فكرك وحسبما يكون فكرك يكون قلبك، لذلك حسناً قال الكتاب «تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل فكرك».

-يجب ألا تأخذ القوة أسلوباً شمشونياً أو عالمياً، ولا تعنى القوة الانتصار على الغير وإنما كسب الغير.

– ليتنى يارب أنسى الكل، وتبقى أنت وحدك تُشــبِع حياتى.. وأنت سائر فى الطريق الروحى احرص لئلا تكـبُر فى عينى نفسك فتسقط.

عاجل