رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

باحثة أثرية تكشف الدور المصري لصناعة كسوة الكعبة المشرفة عبر التاريخ

نشر
كسوة الكعبة
كسوة الكعبة

قالت الباحثة الأثرية نادية عبد الفتاح إن صناعة النسيج في مصر بلغت شأنا عظيماً من الرقي والتقدم منذ أقدم العصور وذاعت شهرتها في العالم لما أنتجته أنوالها ومناسجها من أفخر أنواع المنسوجات سواء كانت كتانية أو صوفية أو قطنية أو حريرية وحتى منسوجات الحصير. 
وأشارت عبد الفتاح، الى ان هناك عدة مراكز صناعية مصرية اشتهرت بصناعة النسيج منها تنيس ودمياط وشطا وتونة ودبثيق والإسكندرية واسيوط والفيوم والدميرة والأشمونيين وبلبيس وأخميم ونقادة وغيرهم. 
وأوضحت أن الكعبة المشرفة كسيت منذ القدم بمختلف أنواع الأقمشة العامة غير المخصصة أصلا للكعبة والتي كانت تأتي إلى مكة من مختلف البلدان كمصر والشام واليمن وإيران وغيرها واستمر الحال على ذلك حتى أمر الخليفة عمر بن الخطاب بإعدادها في إحدى دور الطراز المشهورة في مصر. 
وأضافت انه منذ ذلك الوقت كانت مصر تقوم بإعدادها وظل ذلك حتى عهد الخليفة عثمان بن عفان والذي اعتمد في تصنيعها مرة في مصر ومرة في اليمن.
وأشارت إلى أنه في العصر الأموي صُنعت الكسوة في بلدان مختلفة مثل دور الطراز بخُراسان والتي كانت تصنع الكسوة من الديباج الخراساني ، و مدينة مرو، ومدينة الكوفة ، ولكن ظلت دور الطراز بمصر تقوم بإعدادها في معظم الوقت. 
وفي العصر العباسي، أكدت ان الخلفاء وجهوا نظرهم إلى مصر فكسوها بأفخر أنواع المنسوجات كالعادة السابقة لأنها كانت تعتبر مركزا مهما في صناعة النسيج تركزت صناعتها في دور الطراز بتنيس ودمياط وتونة وشطا.
وكشفت عن احتلال مصر المركز الأول في كسوة الكعبة مما أدى إلى اكتساب دور الطراز الخاصة المصرية خبرة فنية كبيرة نتج عنها ظهور فنيين مهرة أضافوا الدقة والإتقان والجمال على الكسوة المنتجة من مصر عن غيرها من البلدان.
وأوضحت أن مصر شاركت اليمن أيضا في صناعتها وكذلك الهند في عهد محمود ابن سبكتكين بدور الطراز بمدينة نايسبور وارسلت الى مكة بعد فترة من قبل جلال الدولة ملكشاة، إلا أن مصر استمرت في حياكة الكسوة أكثر من غيرها خلال العصر الطولوني والإخشيدي والفاطمي والأيوبي.
وقالت إنه في العصر الفاطمي تركزت صناعة كسوة الكعبة في دور الطراز بتنيس ودمياط والفرما ، كما شارك معظم حكام اليمن في كسوة الكعبة معظم الأحيان، وربما كان ذلك من أجل التخفيف عن مصر ولتنويع الحياكة للكسوة.
وأضافت أن الكعبة المشرفة كانت تكسى بكسوتين في السنة وبالتالي كانت الكسوة تحاك مرة في مصر ومرة في اليمن ، وبعد سقوط بغداد وانتقال مقر الحكم إلى القاهرة في العصر المملوكي أصبحت الكسوة حق من حقوق السلاطين.
وأكدت أن مصر ظلت تقوم بإعداد الكسوة المشرفة خلال العصر المملوكي بإحدى دور الطراز المشهورة كالإسكندرية وغيرها رغم خراب مدينتي تنيس ودمياط، وفي هذه الفترة شارك حكام اليمن في صناعة الكسوة حتى عام 801هـ /1398م ، ثم انفردت مصر بعده بإعدادها. 
وتابعت قائلة إن ذلك استمر حتى أوقف على صناعة كسوة الكعبة السلطان المملوكي الصالح إسماعيل بن الناصر محمد بن قلاوون )743-746هـ/1342-1345م) بعض القرى للصرف من ريعها في إعدادها بالإضافة إلى إنشاء دار خاصة لصناعتها والتي كانت تعتبر صورة مصغره من دار الطراز الخاصة والتي اختفت فيما بعد. 
وأضافت انه عين لهذه الدار موظف لإدارتها سمي بناظر دار الكسوة حيث يقوم بالإشراف عليها وعلى الآلات والصناع وتوفير المواد الخام اللازمة لها من حرير وفضة وذهب واستمرت تقوم الدار بإعداد الكسوة الشريفة منذ ذلك الوقت حتى العصر العثماني.
وأوضحت أنه بعد الاحتلال العثماني لمصر تم اعداد كسوة الكعبة دون أي تعديل بالإضافة إلى توابع كسوة الكعبة المشرفة ( الحجرة النبوية الشريفة وكسوة مقام سيدنا إبراهيم) ، كما تم صناعة كسوة جديدة للمحمل الشريف. 
وأضافت انه منذ استيلاء الدولة العثمانية على مصر اختصت إسطنبول بإرسال كسوة الكعبة الداخلية وكسوة الحجرة النبوية الشريفة ، أما مصر اختصت بإرسال كسوة الكعبة الخارجية من أوقاف الكعبة بمصر.
وأكدت انه رغم هذا التخصص إلى أن مصر ظلت تصنع أقمشة الكسوة الخارجية وكذلك الداخلية تحسباً للظروف حتى عام 118هـ/1706م عندما أمر السلطان أحمد بن محمد الرابع بأن تصنع الكسوة الداخلية بالأستانة واستمر هذا الامر حتى انقطعت الدولة العثمانية عن إرسال الكسوة الداخلية في عهد السلطان عبد العزيز عام 1277هـ /1860م. 
وأوضحت ان كسوة الكعبة الداخلية لم تكن تجدد كل عام وانما كان تجديدها حسب الضرورة إذا كان قد بليت أو اردا أحد الملوك والسلاطين بتجديدها ، حيث استمر ذلك إلى عهد السلطان المملوكي الصالح إسماعيل الذي أمر بأن تجدد الكسوة الداخلية كل خمس سنوات، أما في العصر العثماني جرت العادة أن تجدد كل 15 عاما، وأخر من جددها هو السلطان عبد العزيز خان عام 1860م. 
وقالت إنه مع نشوب الحرب العالمية الأولى وإعلان الحماية البريطانية على مصر خشيت الدولة العثمانية أن تمنع إنجلترا مصر من إرسال الكسوة إلى الكعبة فقامت بصناعتها في إسطنبول في عهد السلطان محمد خان الخامس.
وبالنسبة لكسوة الكعبة في عهد محمد علي باشا، أوضحت الباحثة الأثرية انه عندما تولى محمد على حكم مصر حظيت الكعبة المشرفة باهتمام كبير وأصبحت تُصنع في دار خاصة بالخرنفش (مصلحة الكسوة الشريفة)، وظلت مصر ترسل الكسوة حتى دخل الأمام سعود الكبير بن عبد العزيز آل سعود مكة ورفض دخول المحمل المصري إلى مكة الذي يرافق الكسوة لأنه اعتبره امراً خارجاً عن الدين. 
وأشارت إلى أنه في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني أمر إلى جانب ارسال كسوة الكعبة الشريفة بعمل كسوة جديدة للمحمل عام 1309هـ/1891م مسجل عليها اسمه، وبعد تولي السلطان حسين كامل حكم مصر قام بكسوة الكعبة ورسمها باسمه وهذا أمر يحدث لأول مرة فقد جرت العادة كتابة اسم السلطان العثماني فقط على حزام الكعبة وذلك حتى عام 1913م. 
وتابعت انه في عام 1914م اضيف اسم السلطان حسين كامل بجانب اسم السلطان محمد رشاد خان ولكن ذلك لم يقابل بموافقة الشريف حسين الذي قام بوضع القطعة القديمة التي عليها اسم السلطان العثماني فقط وكسى بها الكعبة ، ولكن في عام 1915م أرسلت الكسوة من مصر وعليها اسم السلطان حسين كامل ولم يتم تغييرها. 
وأضافت انه في عام 1916م تم الغاء اسم السلطان العثماني والاكتفاء باسم سلطان مصر حسين كامل ، وبعد تولي السلطان فؤاد الأول امر بإعداد كسوة جديدة للكعبة تحمل اسمه بدل السلطان حسين كامل كما أمر بعمل كسوة جديدة للمحمل. 
وأكدت أن مصر ظلت ترسل الكسوة حتى عام 1927م عندما أسس عبد العزيز آل سعود دار لصناعة الكسوة الشريفة بمكة.

عاجل