رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

أساطين التلاوة | قصة خطاب أرسله الشيخ أحمد الرزيقي إلى الرئيس السادات

نشر
مستقبل وطن نيوز

ولد الشيخ أحمد الشحات أحمد الرزيقي، في الحادي والعشرين من شهر فبراير 1938، بقرية الرزيقات قبلي، مركز أرمنت محافظة قنا، وألحقه والده بالمدرسة الابتدائية بالقرية، وذات يوم خرج من البيت قاصداً المدرسة فرأى حشداً من الناس أمام بيت تاجر معروف بالمنطقة، كان هو الوحيد الذي يمتلك "راديو" في القرية، فسأل الطفل الصغير عن سر التجمهر، فقيل له لأن ابن بلدنا الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، دخل الإذاعة وسوف يقرأ الآن، بالراديو، فجلس معهم ولسان حاله يقول بصوت داخلي: إذا كان هذا الحب، وهذا التفاني، وهذا الانتظار من أجل الشيخ عبد الباسط الذي وصل إلى قمة المجد, فما هو المانع من أن أكون مثله؟

قصة حياة الشيخ أحمد الرزيقي

ظل أحمد الرزيقي يتردد على الكتّاب لمدة أسبوع دون أن يعلم أحد من البيت، ولكن المدرسة أرسلت خطاباً يحمل مدة الغياب عن المدرسة، فتعجب والده لأن الابن يخرج من البيت إلى المدرسة في الموعد المحدد ويعود بعد انتهاء اليوم الدراسي، فانتظر الحاج الشحات ابنه أحمد ليعرف منه سبب الإنذار، لم يخطر على بال الوالد أن الابن قد تغيب، ولما عاد الشيخ أحمد إلى المنزل ككل يوم سأله والده أين كنت الآن؟ فرد الشيخ أحمد على والده قائلاً لوالده: ولماذا لم تسألني منذ تغيبت إلا اليوم؟ فقال له والده: لأنني كنت معتقداً إنك رايح المدرسة وجاي من المدرسة! فقص عليه ما حدث فاحتضنه أبوه وقبّله وقال له: يعني أنت اتخذت القرار من نفسك قال: نعم فشجعه على ذلك وفرح جداً، وسأله عما حفظ من القرآن، فقرأ عليه، فدعى له بالتوفيق وأقره في ذلك.

وبعد أن حفظ الشيخ أحمد الرزيقي القرآن كاملاً وهو ابن العاشرة، كافأه والده بأن اشترى راديو ليستمتع الشيخ أحمد بقراءة الرعيل الأول بالإذاعة، وكان يحاول تقليدهم فيحضر زجاجة لمبة الجاز ويضعها على فمه ويقرأ بها لتكون كالميكرفون وتحدث صوتاً يساعده على القراءة. 

يحكى عن ذلك الشيخ أحمد الرزيقي فيقول: “مثلاً كنت أضع للشيخ أبو العينين شعيشع صورة معينة في خيالي، ولكنني لما رأيته تعجبت لأنني كنت متخيلاً أن هؤلاء الكواكب والنجوم الزاهرة ليسوا كمثلنا، ولكن كالملائكة، ولما قابلت الشيخ أبو العينين قلت له الحقيقة غير الخيال، كنت متخيلاً أنك في جمال سيدنا يوسف عليه السلام، وضحكنا أنا والقمر الذي يضيء دنيا القراءة السيد النقيب صاحب الفضيلة الشيخ أبو العينين شعيشع، وشاءت الأقدار بفضل الله وبفضل القرآن أن أكون الأمين العام لنقابة القراء، في ظل رئاسة الشيخ أبو العينين للنقابة”.

وانتقل الشيخ أحمد الرزيقي إلى معهد تعليم القراءات ببلدة أصفون المطاعنة القريبة من قريته الرزيقات قبلي، فتعلم التجويد والقراءات السبع وعلوم القرآن.

ذاع صيت الشيخ أحمد الرزيقي في كل مدن وقرى الوجه القبلي، فانهالت عليه الدعوات ليسهر رمضان، ويحيي المآتم والمناسبات الدينية، وأصبح محل ثقة وحب الجميع في صعيد مصر، ولم تتوقف الموهبة الفذة عند هذا الحد، ولكنها حملت صاحبها إلى القاهرة فاشتهر بين كوكبة من القراء في كل المناسبات وخاصة في المولد النبوي الشريف، ومولد السيدة زينب والإمام الحسين.

الحظ وحده جعل الشيخ أحمد يسلك الطريق، وينحت في صخور ليخط له اسماً بفضل الله تعالى، ثم بفضل شيخ مخلص هو المرحوم الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، الذي ساعد الشيخ أحمد الرزيقي وشجعه على القراءة بين هؤلاء العمالقة داخل مدينة القاهرة.

يقول الشيخ الرزيقي: "وذات مرة جئت إلى القاهرة وكالعادة ذهبت إلى الشيخ عبد الباسط فقال لي: خلاص لن تعود إلى الصعيد: فقلت له: لماذا يا فضيلة الشيخ، قال: لأنك ستسهر معي وتقرأ معي حتى تشتهر وتدخل الإذاعة إن شاء الله، وأخذني معه في كل مكان, وقرأت معه في كل المحافظات حتى ذاعت شهرتي، واستمع إليّ كبار المسئولين بالدولة.

ويواصل الشيخ قائلا: وأذكر أنني قرأت أمام الفريق سعد الدين الشريف ود. حسن عباس زكي وفريد باشا زعلوك ونبيل فتح الباب، فأعجبوا بتلاوتي وأدائي، وقالوا حتماً ستكون قارئاً بالإذاعة. وكتب لي فريد باشا زعلوك خطاباً إلى صديقه الشاعر محمود حسن إسماعيل مراقب الشئون الدينية والثقافية بالإذاعة وقتذاك. ولكنني لم أذهب بالخطاب إلى الإذاعة وإنما سافرت إلى الصعيد. وفي عام 1967م وكنت محتفظاً بالخطاب، جئت إلى القاهرة وذهبت إلى الإذاعة لأقابل الأستاذ محمود حسن إسماعيل، وقلت له: حضرت إليك برسالة من رجل عزيز عليك, وصاحب فضل عليك. فقال من فريد باشا زعلوك ؟ فقلت له نعم: فتلقف الرسالة بشغف وتأملها, ولكنه قال: يا أستاذ فيه قرار بعدم انعقاد اللجنة إلا بعد إزالة آثار العدوان. فقلت له أدعو الله أن يزيل آثار العدوان, وأن ينصر مصر.

أقام الشيخ الرزيقي في الأقصر من 1961م وحتى 1974م، وفي ذلك العام 1974م دخل الإذاعة وصار أحد قرائها المشهورين. درس الشيخ الرزيقي الموسيقى دراسة حرة على يد المؤرخ الموسيقي محمود كامل. عين الشيخ الرزيقي قارئاً لمسجد السيدة نفيسة عام 1982م.

ويقول الشيخ أحمد الرزيقي: "جلست تحت شجرة فمسني نسيم الهواء الطاهر، فحرك مرواح القلب وأنعش روحي التي استوت على حروف القرآن، لأكتب رسالة حددت مستقبلي القرآني إلى الرئيس الراحل أنور السادات قلت فيها: الأخ العزيز الرئيس محمد أنور السادات تحية طيبة وبعد.. إني أكتب إليك هذه الرسالة لا لأنك رئيس الجمهورية ولا على أنك الحاكم، وإنما على أنّك شقيق يشعر بآلام أخيه وأما قصتي فهي أنني أتلو القرآن الكريم، وأتقي الله في ذلك, وأصاحب القرآن منذ طفولتي, وجعلت نفسي خادماً له. فلم يأل القرآن جهداً في إسداء النصح إليّ, وإني قد ذهبت إلى المسئولين بالإذاعة فقالوا لي: لن تنعقد لجنة اختبار القراء إلى بعد إزالة آثار العدوان. وها نحن الآن وقد تفضل الله علينا بإزالة آثار العدوان, وانتصرنا في حرب أكتوبر, التي كنت أنت قائدها: فأرجو سيادتكم التفضل باتخاذ ما ترونه من إخطار الإذاعة أن تبعث لي بموعد اختباري كقارىء بها.

وبعد أيام قلائل جاءني رد الرئيس السادات على رسالتي برسالة تقول: الأخ العزيز القارىء الشيخ أحمد الرزيقي تحية طيبة وبعد.. لقد وصلتنا رسالتكم الرقيقة والتي حملت بين سطورها معاني المحبة والإخلاص.. وقد اتصلنا بالإذاعة فوجدنا طلبكم موجوداً, وسترسل الإذاعة لاستدعائكم للإختبار، فأدعو الله لكم بالتوفيق, وأرجو لكم النجاح, وإخطاري بنجاحكم حتى أستمتع بالإستماع إليكم .. محمد أنور السادات"،

وكانت فرحة الشيخ أحمد الرزيقي لا توصف باهتمام الرئيس السادات بخطابه والرد عليه. وركب أول قطار بعد وصول الرسالة إليه من الرئيس السادات ووصل إلى القاهرة واتجه إلى الإذاعة, وحدد المسئولون له موعداً لاختباره, ودخل اللجنة في الموعد المحدد. ولكن اللجنة رأت أنه يستحق مهلة 6 شهور عاد بعدها واعتمد قارئاً بالإذاعة بعد أن أثنى عليه كل أعضاء اللجنة, وحصل على تقدير الامتياز, ليصبح واحداً من أشهر قراء القرآن الكريم بالإذاعة المصرية والإذاعات العالمية كلها.

ولم يترك الشيخ الرزيقي بلداً عربياً ولا دولة إسلامية ولا جالية إسلامية في دولة أجنبية ولا جزيرة في عرض بحر إلا وذهب إلى المسلمين في شهر رمضان ليمتعهم بما أفاء الله عليه من نعمة حفظ كتاب الله.

حصل الشيخ أحمد الرزيقي على وسام الجمهورية من الطبقة الأولى تقديراً لدوره في خدمة القرآن الكريم كما حصل على العديد من الميداليات وشهادات التقدير ولكن أغلى شهادة وأعظم وسام حصل عليه كما يقول هو حب الناس إليه.

وناضل الشيخ الرزيقي في السبعينيات من أجل إنشاء نقابة القراء وظل أميناً عاماً لمجلسها حتى لقي ربه في الثامن من ديسمبر عام 2005م.

عاجل