رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

ما حكم قطع الأشجار للتوسيع في الطريق العام؟.. الإفتاء تجيب

نشر
مستقبل وطن نيوز

استقبل المسلمون في شتى بقاع الأرض، شهر رمضان المبارك، وقطعًا لدى كثيرين استفسارات وأسئلة يبحثون عن الإجابة عليها.

وتنشر «مستقبل وطن نيوز» أكثر الأسئلة شيوعًا، إضافة إلى رد دار الإفتاء المصرية عليها، وفي السطور التالية تجيب «الإفتاء» عن سؤال: ما حكم قطع الأشجار للتوسيع في الطريق العام؟

أجاب الدكتور شوقي إبراهيم علام، مفتي الديار المصرية، قائلًا: «إن الإسلام قد أمر بكل ما يعمر الأرض وينفع ساكنيها؛ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ﴾ [هود: 61]. قال الإمام النسفي في "مدارك التنزيل وحقائق التأويل" (2/ 69، ط. دار الكلم الطيب، بيروت): [﴿وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ وجعلكم عُمَّارها وأراد منكم عمارتها] اهـ».

وتابع: «إن الأشجار والنباتات وغيرها مما ينفع الإنسان من جملة الأشياء التي عمّر اللهُ سبحانه وتعالى بها الأرض؛ ولذلك وصف اللهُ تعالى التعدي عليها بالفساد الذي لا يقبله؛ فقال تعالى عن المفسدين: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ [البقرة: 205]».

وقد نهى الشرع الشريف عن الاعتداء على الأشجار وغيرها مما تُنبت الأرض؛ لما تحققه من المنافع المتعددة من نحو الاستظلال بها أو الانتفاع بثمارها إن كانت مما يثمر وغير ذلك؛ كما جاء فيما رواه أحمد عن ثوبان رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَنْ قَتَلَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا، أَوْ أَحْرَقَ نَخْلًا، أَوْ قَطَعَ شَجَرَةً مُثْمِرَةً، أَوْ ذَبَحَ شَاةً لِإِهَابِهَا لَمْ يَرْجِعْ كَفَافًا». قال الإمام الطيبي في "الكاشف عن حقائق السنن" (8/ 2657، ط. مكتبة نزار مصطفى الباز): [أي لم يعد من الغزو رأسًا برأس بحيث لا يكون له أجر ولا عليه وزر، بل وزره أكثر؛ لأنه لم يغز لله، وأفسد في الأرض] اهـ.

وما رواه البيهقي من قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه ليزيد بن أبي سفيان رضي الله عنهما حينما بعثه إلى الشام: "يا يزيد، إنكم ستقدمون بلادا تؤتون فيها بأصناف من الطعام، فسموا الله على أولها، وسموه على آخرها، ولا تخربوا عمرانا ولا تقطعوا شجرة إلا لنفع".

وقد تقرر شرعًا "أن المصالح العامة مقدمة على المصالح الخاصة"؛ فقد جاء في "الأشباه والنظائر" للعلامة ابن نُجَيم من الحنفية (ص: 74-75، ط. دار الكتب العلمية): [يُتحمَّل الضررُ الخاص لأجل دفع ضرر العام، وهذا مُقيِّد لقولهم: الضرر لا يُزال بمثله، وعليه فروع كثيرة] اهـ.

ولما كان الأمر كذلك استثنت الشريعةُ من هذا إزالة الأشجار وغيرها إن كانت المصالح العامة تقتضي ذلك، لا سيما إن كانت هذه المصلحة مما يشترك في الانتفاع بها عامة الناس؛ كنحو مد وتوسيع الطرقات وبناء المستشفيات وغير ذلك.

ويؤيد ذلك ما فعله صلى الله عليه وآله وسلم من قطع النخل الذي كان في محل المسجد النبوي؛ لأجل بناء المسجد وتوسعته؛ وهذا رواه البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة فنزل أعلى المدينة في حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف، فأقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيهم أربع عشرة ليلة، ثم أرسل إلى بني النجار، فجاءوا متقلدي السيوف كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم على راحلته، وأبو بكر ردفه وملأ بني النجار حوله حتى ألقى بفناء أبي أيوب، وكان يحب أن يصلي حيث أدركته الصلاة، ويصلي في مرابض الغنم، وأنه أمر ببناء المسجد، فأرسل إلى ملإ من بني النجار فقال: «يَا بَنِي النَّجَّارِ، ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا»، قالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله، فقال أنس رضي الله عنه: فكان فيه ما أقول لكم قبور المشركين، وفيه خرب وفيه نخل.

فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين، فنبشت، ثم بالخرب فسويت، وبالنخل فقطع، فصفوا النخل قبلة المسجد وجعلوا عضادتيه الحجارة، وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجزون والنبي صلى الله عليه وآله وسلم معهم، وهو يقول: «اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الآخِرَة، فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ والمهاجرة»، ولذلك نص بعض العلماء على أن قطع الأشجار لغرض أنفع للناس منها أمر لا حرج فيه شرعًا.

عاجل