رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

ملتقى الفكر الإسلامي: الصوم مصدر من مصادر الهداية الإلهية لاستقامة السلوك الإنساني

نشر
مستقبل وطن نيوز

أكد المشاركون في ملتقى الفكر الإسلامي، أن الصوم مصدر من مصادر الهداية الإلهية لاستقامة السلوك الإنساني، وأن العبادات شُرعت لسعادة الإنسانية وتهذيب الأخلاق، ولابد من أن يمتد أثر العبادة إلى خارج المسجد، وأن شهر رمضان يغيّر سلوك الإنسان من عبدٍ شهواني إلى عبدٍ ربّاني.
 

جاء ذلك في الحلقة الأولى لملتقى الفكر الإسلامي الذي ينظمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، في إطار التعاون والتنسيق بين وزارة الأوقاف المصرية والهيئة الوطنية للإعلام؛ لنشر الفكر الإسلامي الصحيح، ومواجهة الفكر المتطرف، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، وجاءت بعنوان: " فضل الصيام وأحكامه "، حاضر فيها كل من: الدكتور عبدالله النجار الأستاذ بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية، والدكتور على الله الجمال إمام وخطيب مسجد السيدة نفيسة (رضي الله عنها).
 

وفي كلمته أكد الدكتور عبدالله النجار، أن الله تبارك وتعالى شرع الفرائض والعبادات ليستطيع الناس الوصول إلى خالقهم، فليس هناك طريق للتعبد لله تعالى غير ما شرعه الله تعالى لخلقه، ومما فرض الله تعالى على عباده الصوم ، حيث يقول النبي (صلى الله عليه وسلم) : (بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ، شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ) ، فالصوم ضمن فرائض أخرى، كل فريضة تتضمن لونا من ألوان الهداية ، فليست العبادة مجرد طقوس وشعائر تقام، ولكن لابد لهذه العبادات من أثر في سلوك الإنسان، فهناك مقاصد سلوكية للعبادات، فالصلاة يقول الله تعالى فيها: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ) ويقول تعالى في الزكاة : (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) ويقول في فريضة الحج: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) .
 

وأضاف النجار، وكذلك الصوم له غايات ومقاصد سلوكية يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ، فتقوى الله تعالى تعني مراقبة الله (عز وجل) ، والصوم يعلم الإنسان هذا المعنى ، فيصنع لديه نوعًا من الرقابة الذاتية، فامتناع الإنسان عن شهواته وعن الملذات التي تميل إليها النفس تقربا إلى الله تعالى ينعكس يقينا أخلاقا فاضلة في سلوكه وتعامله، والصوم دائما مصدر من مصادر الهداية واستقامة السلوك لدى الإنسان، وفيه أيضا معنى الانتصار على دواعي النفس وشهواتها بأن لا يستعبد من قبل هذه الشهوات فيكون أسيرًا لها ، فالعبادات تؤدي إلى السمو في الأخلاق ، وتوازن بين حاجيات الإنسان وطاعته لربه.
 

وأوضح أن من الملامح التي تتعلق بالصيام ملمح (التيسير والتخفيف)، الذي هو أصل من أصول التشريع الإسلامي، حيث يقول سبحانه وتعالى : (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، فالناظر لفريضة الصيام يدرك أنها قد اقترنت بجملة من التيسير والرخص، وهذا نجده في قوله تعالى: (أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) والمعنى: أن من كان منكم مريضا لا يستطيع الصيام أو كان صحيحا غير مريض وكان على سفر فعدة من أيام أخر، أي: فعليه صوم عدة الأيام التي أفطرها في مرضه أو في سفره من أيام أخر، يعني من أيام أخر غير أيام مرضه أو سفر، فشرعت الرخصة هنا في السفر والمرض لأنها عوارض المشقة، ثم وسّع الله (عز وجل) بأن يقضي أياما أخر بعد أن يمنّ الله عليه بنعمة الشفاء إن كان مريضا، أو بنعمة المقر إن كان مسافرًا.
 

وأشار النجار إلى أن الله سبحانه وتعالى رخص بالفطر لمن يطيقون الصيام إما لشيخوخة أو لمرض لا يرجى شفاؤه وما يتعذر معه الصيام قال تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)، ففكرة التيسير لا بد وأن تكون منهجا في العبادة وفي الدعوة، وقد أحسنت وزارة الأوقاف حين وضعت مجموعة من الضوابط والإجراءات الاحترازية الخاصة بالصلاة في المساجد الصلاة التراويح وخطبة الجمعة بما يتفق مع الظروف التي يعيشها المجتمع، تخفيفا على الناس، وتلافيا لمواطن الهلاك، فالساجد قبل المساجد.
 

وفي كلمته، أكد الدكتور على الله الجمال، أن أهم الدروس التي نتعلمها من رمضان هو " التغيير" والإقلاع عن العادات والمألوفات، فرمضان يمنع الإنسان عن الطعام والشراب الحلال ليتعود على ترك الحرام، يمنعه من الشهوة الحلال ليحذر الاقتراب من الفواحش المحرمة، فرمضان يغيّر سلوك الإنسان ، من عبدٍ شهواني إلى عبدٍ رباني.
 

كما أكد الجمال، أن من أهم الدروس التي نتعلمها من رمضان هو " المساواة" ، فهو شهر يتساوى فيه كل المؤمنين، يصومون في ميقات واحد، ويتضرعون إلى رب واحد، ويتسامحون فيما بينهم، فيشعر الغني بحرمان الفقير طول العام عندما يشعر بالجوع والعطش في شهر رمضان.
 

وقال الجمال، إن للقبول في مدرسة الصيام دلائل ، ولعل من أهم هذه الدلائل ارتفاع منسوب المراقبة لله تعالى الذي يحقق مرتبة الإحسان التي بينها حديث جبريل: (والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، فإذا ما شعر الصائم أنه ازداد حياء من ربه وخشية له وإقبالا عليه فتلك علامة من علامات القبول، والصوم وسيلة مهمة لاكتساب المقام الرفيع عند الله وعلو المكانة لديه سبحانه، كما قال أحد الصالحين: "إذا أردت أن تعرف عند الله مقامك، فانظر فيما أقامك"، فإن أقامك على الخير والصلاح والطاعة والبر والمعروف، فإن مقامك عنده عزيز.
 

وأضاف الجمال، وكذلك من دلائل القبول الحرص على الفرائض والنوافل: فإذا ما أحس الصائم بأنه قد ازداد حرصا على الفرائض والبعد عن المعاصي والآثام في هذا الشهر وداوم على ذلك وسارع في الاستجابة لنداء الرحمن كلما سمعه، إضافة إلى مداومته على النوافل وعدم تضييع أي نوع منها، فإنه على طريق القبول ، وكذلك من دلائل القبول التصالح مع القرآن: فرمضان شهر القرآن كما قال الله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)، ومن ثم كان إقبال المؤمن الصائم على كتاب الله تلاوة وتدبرا وفهما وعملا، وكذلك من دلائل القبول حفظ اللسان عن سيئ القول والتخلص من العادات السيئة والثبات على الطاعة بعد رمضان ، وهو خاتمة الدلائل على القبول من عدمه ، فإن ثبت الصائم على الطاعة والعبادة والعمل الصالح وفعل الخيرات بعد رمضان وحافظ على ذلك في بقية الشهور، وظهرت ثمرات الصيام ندية على التزامه وسلوكه وأخلاقه، فذلك أثر القبول.
 

 

عاجل