رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

المآذن.. بطاقات تعريف بالعصور الإسلامية

نشر
المسجد النبوي
المسجد النبوي

منذ العهد الأموي شقت المآذن طريقها إلى السماء. 

في دمشق عاصمة الخلافة الجديدة وجد المسلمون القادمون من الجزيرة العربية، أنهم داخل مدينة مسيحية تحتوي على كنائس بأبراج عالية، ما دفعهم للتفكير في بناء مرتفع خاص بهم، فالمسجد النبوي الشريف الذي يعود تاريخ تأسيسه إلى العام الأول الهجري بقي بلا مئذنة 88 سنة إلى أن جاء الخليفة الأمويّ الوليد بن عبدالملك، وأمر واليه في المدينة المنورة عمر بن عبدالعزيز ببناء أربع مآذن في أركانه. 

تتنوع أشكال المآذن وأحجامها، إلا أنها في كل عصر من العصور تتخذ نمطا محددا، بحيث أننا نستطيع تحديد العصر الذي بنيت فيه من النظرة الأولى للمئذنة!

مئذنتى المنصور والناصر محمد بن قلاوون

من وجهة نظر الفن فإن فإن المئذنة اتخذت ثلاثة أشكال رئيسية:  الاسطوانية والمضلعة، والمربعة، والأخيرة هي الأقدم انتقلت من سوريا وانتقلت إلى أوروبا، وتحتوي على عدة طوابق ومصممة من غرف متداخلة مزينة بنوافذ   وجامع "الكتبية" بمراكش أحد أروع الأمثلة على هذا النوع.

الاسطوانية والمضلعة 

وظهرت المئذنة الاسطوانية في القرن الحادي عشر على يد السلاجقة في إيران وتركستان وانتقلت إلى الهند قبل والأناضول ويمثلها مآذن المسجد الأزرق في اسطنبول والمآذن التسعة للمسجد الكبير في مكة المكرمة.

والمئذنة المضلعة هي نوع من المئذنة الاسطوانية ظهرت في "غزنة" بإيران ووجدت في "سمرقند" والقاهرة، وأشهرها مئذنة قطب منار في دلهي.

الجامع الأزرق في إسطنبول 

ليست المئذنة دليلا فقط على المكان الذي توجد عليه ولكنها أيضا طابع يميز العصر الذي بنيت فيه، وقد تفنن المعماريون فى أشكالها ودوراتها فأصبح لكل إقليم إسلامي طراز خاص من المآذن ففي شمال أفريقيا والأندلس، سيطر  طراز الأبراج كمئذنة جامع عقبة بن نافع بمدينة القيروان، ومئذنة جامع قرطبة ببلاد الأندلس، وتطورت المآذن في  العصر المملوكي فبنيت منارة جامع محمد علي بالقلعة وفق الطراز العثماني الممشوق الدائري الذي ينتهي بمخروط مدبب. أما مآذن بلاد إيران فهي اسطوانية  رشيقة ليست لها دورة للمؤذن لأنها لم تكن تستعمل للآذان، وتنتهى من أعلاها بردهة تقوم على مقرنصات.

مسجد غول شريف في روسيا

يؤكد  د. أشرف العتباني أستاذ تاريخ الفن الإسلامي بجامعة عين شمس أن كل عصر وله طراز خاص به، فالمآذن في العصر العثماني تتميز بأنها تنتهي بسن مدبب يشبه القلم الرصاص، وفي العصر العباسي كانت ملتوية مثل مأذنة مسجد ابن طولون التي صممها مهندس لتتشابه مع ملوية سمرّاء في العراق.

في عصر المماليك

أما بالنسبة لفترة المماليك فكانت المئذنة تنتهي بشكل خوذة الملك في عصره مثل مئذنة السلطان ناصر بن برقوق بقلعة محمد على، فالجزء الأخير منها يشبه خوذة الملك، أما تقسيمة جسم المأذنة فكانت على ثلاث مراحل أهمها الجزء الأول وكان على شكل مربع، وتأتي بعده الشرّافة وبينها وبين الجزء المربع مقرنس، ثم يتحول الجزء المربع إلى مثمن في الجزء الثاني ليتحول في الجزء الثالث للاسطوانة، وهذا هو النموذج الأكثر انتشارا، وتعلوها النهاية التي تأخذ شكل الخوذة أو شكل نبات الصبار أو البصلة مثل العصر الأيوبي.

مسجد الجامع في كوالالمبور

وللعصر المملوكي حالتين متميزتين وهما المئذنة التي تنتهي بطرفين وهي لا توجد إلا في مسجدين فقط جامع الأزهر كانت في عهد السلطان الغوري، ومأذنة أخرى في جامع بميدان محمد على بمدرسة قاني باي.

ومعظم المساجد لها مآذن بصفات عامة ولكن بعضها له صفات خاصة مثل جامع الفتح الذي يمتلك أعلى مئذة في القاهرة.  حوالي 102 مترا، وبه 2 أسانسير فلم يعد هناك تواجد للسلم الحلزوني، ويعتبر هذا المسجد من الجوامع الحديثة التي بنيت على الطراز الإسلامي لكنه عبارة عن خليط من عدة نماذج.

شخصية الفن الإسلامي 

ويكشف د. العتباني أن العصور الاولى في الإسلام في زمن الخلفاء الراشدين لم تكن المئذنة وضحت مفردتها بشكل مستقل، ولكن كان هناك مكان مرتفع للمسجد وكان المنبر ثلاث درجات فقط، وكان المسجد بلا سقف ويغطى بسعف وجذوع النخيل، بينما بدأت الفكرة تظهر وتتطور  في العصر الأموي، وكان لها شكل بدائي فلم يكن هناك معرفة كاملة بالفن الإسلامي، ومع بداية العصر العباسي بدأت شخصية الفن الإسلامي في الإستقلال، ويجب ألا نغفل أن الكثير من الفنون الإسلامية اعتمدت على مزخرفات الفن القبطي، فهناك بعض أعمدة المساجد مأخوذة من كنائس لدرجة أن هناك عمود بأحد الجوامع منقوش عليه صليب، ولكن بعد ذلك استقل الفن الإسلامي بأسلوبة وبزخرفاته.

مسجد الحسن الثاني في المغرب

ويقول: لفن المآذن مفردات ثابته تختلف في الشكل فقط من بلد لآخر، فمئذنة الهند عبارة عن شكل ماسورة اسطوانية قليلة القطر من الأعلى، وفي روسيا يصنعون المئذنة  من البلاطات المجلزة التي تشبه القيشاني، بينما في مصر تبنى من الأحجار ونفس الحال في تركيا، أما مآذن الحرم  فهي مأخوذه غالبا من العصر المملوكي، فكل بلد أخذت روح المآذن الخاصة بها بشكل يناسبها لكن المفردة موجودة، فالمآذن بصمة لكل عصر ولكل بلد، ويمكننا تمييز كل عصر إسلامي من خلال مأذنته.

ويضيف: أصبح للمآذن في العصر الحديث أشكال أقوى وأجمل وأعلى وأكثر إحترافية وأكثر جمالا، وهناك الكثير من الطرز لدرجة أن هناك بعض المآذن اصبحت تبني خارج حيز المسجد نفسه فتقام على أطراف المسجد.

د. أشرف العتباني
عاجل