رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

عمرو الخياط يكتب| المتفرجون على الدولة

نشر
مستقبل وطن نيوز
في الأيام الماضية تعرضت الدولة المصرية لأزمات متلاحقة، بدأت بكميات غير مسبوقة من الأمطار واجهتها الدولة بجرأة وحالت دون وصول الضرر المحتمل إلى الفئات المتضررة. لم تكتف الدولة المصرية ساعتها بذلك، بل راحت شاشاتها المختلفة تنقل صورة واقعية لما يحدث على مدار الساعة لتفاصيل حركة الجهاز الإداري في الشارع المصري من أجل إحداث اتصال تفصيلي مع المواطن واطلاع على جهود الدولة لحمايته، ليس ذلك فحسب بل لرغبتها في إخضاع أداءها للتقييم المباشر للمواطن المستهدف بالخدمة والرعاية، ولم يكن مطلوبًا منه سوى المكوث في منزله حفاظًا على سلامته وحياته، مع تحمل الدولة كامل نفقات التعويض عن الأضرار التي لحقت ببعض المواطنين. وداخل غرفة عمليات يقودها رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي تحولت أجهزة الدولة لخلية عمل تسابق الزمن من أجل تيسير حياة المواطنين. لم تلبث مصر أن خرجت من الأزمة الطارئة حتى كان العدو الغامض المعروف بفيروس كورونا يجتاح العالم دولة تلو الأخرى إلى أن قدر الله أن يصل إلى مصر، لتسارع الحكومة في الإعلان عن تفاصيل أول إصابة مكتشفة وتلزم نفسها بنهج متواصل من الشفافية التي استهدفت ترسيخ مصداقية الدولة في ذهن المواطن، إلى جانب وضع هذا المواطن أمام مسؤلياته التي أصبحت وجودية. كانت حركة الدولة المرئية موازية، بل وسابقة لحركة انتشار الفيروس غير المرئي، فتدرجت إجراءاتها كلما تزايدت حركة انتشار المرض خارج القطر المصري. لقد حسمت الدولة أمرها سريعًا فعطلت الدراسة حرصًا على صحة وحياة الطلاب وأسرهم، وشمل القرار تخصيص ١٠٠ مليار جنيه لمكافحة المرض وتعويض المتضررين. مع هذا الإجراء المعلن كانت هناك خلية عمل رفيعة المستوى تطارد الفيروس وتحاول حصاره بتحديد المصابين والتوصل لكيفية إصابتهم من أجل فحص المخالطين وإخضاع الجميع للحجر الطبي الوقائي. كانت الدولة تعمل في صمت من أجل الحيلولة دون وصول حالة من الفزع للمواطن في الوقت الذي كانت تحرص فيه على التوازن ما بين إعلان الحقائق وتحمل المواطن لمسؤليته الشخصية والمجتمعية. ثم صعدت الدولة من إجراءاتها فأوقفت حركة الطيران وأغلقت المزارات السياحية، ومنحت جهازها الإداري صلاحية تخفيض أعداد موظفيه، وصولًا إلى حظر جزئي، ثم حظر شامل تجاوز منتصف اليوم، تحت شعار واضح يعلي حياة وأرواح المواطنين فوق كل اعتبار. في مواجهة حركة الدولة التي عبرت عن إرادة قومية لرعاية المواطن، راحت أصوات تعمد إلى تسييس المرض من أجل الضغط على الدولة إما جهلًا بحقيقة خطورة المرض، أو عمدًا مع سبق الإصرار لتحقيق أهداف سياسية فئوية ولو على حساب المصلحة العامة، أو بالوكالة عن التنظيم الإخواني الذي يستغل المرض لإحداث حالة فوضى لا تهتم أساسًا بحياة المصريين. ولما استمرت الدولة في إجراءاتها الحاسمة بالمواجهة المؤسسية، واكتشفت تلك المجموعات أن الأمر جلل ويهدد الإنسانية لم تمتلك شجاعة التراجع عن انحرافها السياسي والتزمت الصمت والاختفاء، تاركة الدولة تواجه المرض الخفي المجهول، وتاركة المواطن يواجه قدره بعد أن نفدت فرصهم في المزايدة السياسية والإنسانية، وبعد أن ثبت جدية الدولة في المواجهة منعًا ورعاية ونصحًا وإرشادًا. مجموعات" المرجفون" في المدينة تحولت إلى مجموعة من "المتفرجين على الدولة"، لا يشغلهم سوى انتظار كيفية خروج الدولة من الأزمة، وكيف سيكون موقفهم إذا ما نجحت في تجاوز الأزمة وإعادة التموضع بقوة داخل مساحة ثقة المواطن؟ لم يكتف المتفرجون بذلك بل مارسوا أدورًا سلبية في التشويش على جهود الدولة ومحاولة تشتيتها بترويج أكذوبة انتشار المرض داخل السجون والمطالبة بعمليات إفراج عشوائي عنهم دون الاكتراث بحياة عموم المصريين الذين يتمتعون بحقوق المواطنة والرعاية. حملات المطالبة بالإفراج العشوائي لم تذكر اسمًا واحدًا مصابًا كان أومشتبهًا في إصابته داخل السجون بل راحت تحدد شخصيات بعينها تنتمي أدى التنظيم الإخواني أو من أدواته ممن ينتحلون صفات اليسار أو الليبرالية وماهم إلا مستخدمون تنظيميًا. وسط مزايدات هؤلاء المتفرجون ظهرت نوعية أخرى تُمارس الصمت المنظم ولا تجرؤ على أن تشيد بإجراءات الدولة لتمارس بذلك التضليل السلبي، خشية أن تخضع لعمليات إعادة تقييم من مشغلها القديم الذي يضع يده على ماكينة" عد النقد" مصريًا كان أو أجنبيًا، هي متوقفة الآن لكن عجلتها حتمًا ستدور، وهم حريصون على أن تظل أسماءهم في كشوف الصرف المستدام. بفضل من المولى حتمًا ستكتشف الإنسانية مصلًا لهذا المرض اللعين، لكن داء الخيانة والتولي يوم الزحف ماله من دواء. في الخلفية من المتفرجين المنسحبين وطنيًا تظهر مجموعة المنظرين الذين انطلقوا بالمقالات والمداخلات والتعليقات الإلكترونية، يشرحون كيفية المواجهة الرشيدة التي يجب أن تنتهجها الدولة، وهم الآن بصدد الدخول في مرحلة التنظير المتطور إذا ما طالت فترة الحظر وستجدهم خلال أيّام قليه يطالبون بفك الحظر الذي سيتحول على ألسنتهم وبمداد أقلامهم إلى نوع من الحصار المتعمد للمواطن، هم الآن يجهزون لحملات المطالبة بحرية التنقل والحركة، وأن الحرية هي أساسًا التوصل للشفاء الذي سيستمد من حركة الإبداع والفكر المنفتح الذي سينجم عّن هذه الحرية حتى لو كانت لها ضحايا! ستعبر مصر هذه الأزمة بمنحة من فيض رحمات المولى عز وجل، لكن المنظرين والمتفرجين سيسجلون في الدرك الأسفل من الوطن. نحن في لحظة كاشفة ليس للفكر السياسي، بل للحالة الإنسانية التي ستعيد الفرز الإنساني لمن تستطيع أرصدتهم البنكية تجاوز إنسانيتهم ووطنيتهم.
عاجل